بقلم أ. محمد ريحان
(عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك/الجمعية الفلكية الاردنية)
عند النظر باستخدام التلسكوب الى احد النجوم التي تمثل قرني الثور في برج الثور، وتحديدا الى ذلك المجاور لكوكبة الجبار، فاننا قد نصادف بقعة غبشاء تحمل الرقم M1 في دليل ميسسه للأجرام السماوية، والفلكيون منذ زمن يعلمون ماهية تلك البقعة، فهي عبارة عن بقايا نجم انفجر Supernova remnant منذ ما يزيد عن ألف عام خلت وتدعى سديم السرطان، نظرا لشكلها الذي يشبه ذلك الحيوان، فمن هم يا ترى شهود هذا الحدث الفلكي المدوي؟ وهل سنحظى بفرصة لمشاهدة هذه الظاهرة في زماننا؟ لنعد الى بداية القصة.
من الامور المسلم بها في الثقافة الغربية ولفترة ليست بالقصيرة ان السماء كاملة التكوين لا يطالها التغير أو التبدل، على عكس الاشياء الارضية الفانية والمتبدلة الأحوال، فالفصل بين طبيعة الارض والاجرام السماوية كان قاطعا ( وحتى في ايامنا هذه فاننا نصر على تسمية كل ما هو خارج ارضنا بالفضاء، وكأننا لا نمتطي كوكبا فضائيا على غرار الكواكب الاخرى). وكان لمثل هذه المعتقدات ما يدعمها من الآراء الدينية والفلسفية، والتي تعود جذورها الى الفيلسوف الكبير “ارسطو” الذى كون آراءه الخاصة عن العالم بناء على ما شاهده بعينيه وعيني معاصريه، ولنا ان نعذرهم، فلا شك بان رؤية النجوم الثوابت والتي تمر امامها الشمس والقمر والكواكب الخمسة اللامعة بانتظام توحي لمن دأب على مراقبتها بالسرمدية المطلقة، ولم يتجرأ احد على مناقشة “ارسطو” في كل اوروبا طوال ثمانية عشر قرنا من الزمان.
وكنتيجة عفوية للسلطة العلمية التي تمتع بها “ارسطو” كانت الشعوب تصرف النظر عن اي تبدل في السماوات، فلو رأى احدهم نجما جديدا في السماء، فمن المؤكد انهم سيحول عنه بصره بعصبية، ويتعمد تجاهله باعتباره منافيا للمنطق السائد آنذاك، وعلى الرغم من ذلك فانه يوجد في سجلات المؤرخ الروماني “بليني” ما يشير الى ان الفلكي الاغريقي “هيباركوس” (190-120 ق.م) كان قد اكتشف نجما جديدا تماما مما دفعه الى فكرة رسم خارطة لنجوم السماء لمعرفة التغيرات التي قد تطرأ عليها لاحقا. وكنتيجة لعدم وجود روايات اخرى تؤكد ظهور النجوم الجديدة على مدار السبعة عشر قرنا التالية التي تلت عهد “هيباركوس”، اعتبر الامر منتهيا بانتصار “ارسطو” الساحق الذي يؤكد سرمدية السماء وحفظها من التغير، ونتيجة لهذا التّزمت المقيت والنظرة الضيقة، اغلقت اوروبا أعينها بارادتها لقرون من الزمن، كما يفعل كثير من الناس في ايامنا هذه.
بالرغم من كل ذكر، فقد كان هناك حضارة رائعة على هذه الارض لم تسمع بارسطو في ذلك الزمن، وكانت مستعدة لتقبل ظهور اى نجم جديد في سمائهم لتحررهم من النظرة المسبقة للسماء على عكس الاوروبيين، وأعني بذلك الحضارة الصينية.
لقد بينت سجلات الصينين انهم رصدوا بين عامي (183-1181 ميلادي) خمسة نجوم جديدة أشار الى بعضها ليس الصينيون وحدهم بل واليابانيون والعرب، كان اهمها بالنسبة الى اوروبا ذلك التقرير الذي ورد عن هذه الشعوب في عام 1054 ميلادي والذي يفيد بظهور نجم جديد في كوكبة الثور في الرابع من تموز/ يوليو من ذلك العام، وكونه عاليا في السماء الشمالية (تمر كوكبة برج الثور في سمت الرأس بالنسبة لمعظم بلدان اوروبا) فانه منح الاوروبيين فرصة رائعة لرصده، اضف الى ذلك انه كان في أوج تالقه أشد سطوعا من الزهرة بثلاثة أضعاف، بحيث كان يلقي بظلال الاشياء على الارض، واستمر مرئيا لعامين كاملين بالعين المجردة قبل ان يختفي، ولكن المدهش في الامر انه لم ترد عنه أي انباء من القارة العجوز!!
انهم بكل بساطة لا يريدون أن يروا. الى هذا الحد يمكن للتعصب للأفكار المسبقة عن الأشياء أن يعبث بعقل الإنسان؟
وهكذا كان على سكان الأرض أن ينتظروا قرابة خمسمائة عام أخرى بعد هذه الحادثة ليظهر النجم الجديد التالي، ولكن لا تتعجلوا الحكم فقد وقعت أحداث كان من شأنها أن تغير كل شيء في اوروبا.
The proficiency of see these guys now order cheap cialis the medication can be seen among some hypoglycemic patients.
نحن الآن في عام 1546 للميلاد اي بعد بعد ثلاث سنوات من نشر كتاب “نيقولاس كوبرنيق” الخطير بعنوان “حول دوران الأجرام السماوية” والذي حطم واحدا من أكبر الأخطاء العلمية في تاريخ البشرية وهو الادعاء بمركزية الأرض في هذا الكون ، حيث ولد اعظم فلكيي اوروبا المنتمين الى عصر ما قبل التلسكوب، وهو الدينماركي “تيكو براهي” أبرع راصد فلكي وأكثر أنسان جال ببصره نحو السماء مستخدما أدق الآلات في عصره، انه ذلك الشخص الثري النّزق، غريب الأطوار الذي رغم عدم قناعته بنظرية “كوبينيق” الا أنه قدم للبشرية ثروة من القياسات والجداول سيستخدمها فلكي عبقري آخر بعد سنوات.
في احدى ليالي عام 1577 خرج “تيكو” من مختبر عمه مسرعا فنظر (بحكم العادة) الى السماء، ليرى ما استرعى انتباهه فورا، ولنستمع الى وصف تلك اللحظات على لسان “تيكو” بنفسه:
“عندما نظرت فوق رأسي مباشرة، رأيت فجأة نجما غريبا يرسل ضوءه بوميض متوهج أصاب عيني. ومن شدة ذهولي، وفقت دون حراك، وعيناي مثبتتان مدة من الزمن على ذلك النجم، ولاحظت أنه موجود قريبا من النجوم التي نسبها القدماء الى كوكبة ذات الكرسي……..وقعت في حيرة جعلتني اشك فيما تراه عيناي. عندئذ توجهت الى من كانوا يرافقونني، وسألتهم عما اذا كانوا قد رأوه………”. وفيما بعد اطلق “تيكو” على هذا النجم (nova stella) باللاتينية ومعناها النجم الجديد.
وقع الحدث الهام التالي بالنسبة للقارة الاوروبية بعد وفاة “تيكو” بثلاث سنوات أيضا، ففي سنة 1604 رصد “يوهانز كيبلر” (رياضي وفلكي الماني بارز غنيٌ عن التعريف وأهم مساعدي “تيكو” وهو الذي عرف كيف يستفيد من جداول معلّمه) نجما جديدا آخر في كوكبة الحواء، وإن لم يكن بمثل تألق سابقه، واستمر “كيبلر” يرصد ذاك النجم ليلة تلو الأخرى لمدة عام كامل قبل ان يختفي نهائيا عن الانظار.
خلال الحقبة التي تلت ذلك كان علم الفلك على موعد مع ثورة عارمة غير متوقعة في الافكار والاكتشافات، فاخترع التلسكوب الذي أصبح أداة لا سابق لها في رصد النجوم والكواكب على يد “جاليليو”، والذي سرعان ما سيساعد الفلكيين في مشاهدات لا عهد لهم بها من قبل، وسيتمكنوا من رؤية نجوم غير مرئية بالعين المجردة، بل وايضا المجرات الاخرى، وذلك خلال الثلاثة قرون التي تلت عصر “كيبلر”، فياله من فتح عظيم، وياله من تحول جذري في نظرتنا للكون. والآن ترصد العديد من النجوم المتفجرة الجديدة سنويا سواء في مجرتنا او في المجارات القريبة منه. ولكن لسوء الحظ فقد كان مستعر “كيبلر” سنة 1604 آخر نجم جديد ظهر في السماء بلمعان يفوق لمعان الكواكب، اي انه منذ اختراع التلسكوب ولغاية الآن لم يلمع في سمائنا اي نجم جديد كالذي رآه “تيكو” والصينيون.
لقد ولت الايام التي يصرف البشر فيها اعينهم عن الحقائق المشاهدة، ولكن هل يقلع البشر عن التعصب الفكري وقولبة المفاهيم العلمية لتتماشى مع اهوائهم ومصالحهم؟
ربما كنا بحاجة الى ظهور نجم جديد ساطع في سمائنا وفي هذا العصر بالذات (عصر الفضاء والتكنولوجيا الرقمية والتلسكوبات الفضائية) ليذكرنا بصراع اوروبا المرير مع أفكار العصور المظلمة قبل قرون علّنا نتعظ من دروس الماضي.