الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

AUASS

سلماً في السماء

في تفسير الطبري (الصفحة 131) للآية الكريمة من سورة الأنعام 35: «وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ»، قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: إن كان عظم عليك، يا محمد، إعراض هؤلاء المشركين عنك، وانصرافهم عن تصديقك فيما جئتهم به من الحق الذي بعثتُك به، فشقّ ذلك عليك، ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم، (فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض)، يقول: فإن استطعت أن تتخذ سَرَبا في الأرض مثلَ نَافِقاء اليَرْبُوع، وهي أحد جِحَرِته فتذهب فيه، (أو سُلمًا في السماء)، يقول: (أو مصعدًا تصعد فيه)، كالدَّرَج وما أشبهها، «فتأتيهم بآية»، منها، يعني بعلامة وبرهان على صحة قولك، غير الذي أتيتك، فافعل. وفي الجزء الثاني من الآية: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ»، قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار، يا محمد، فيحزنك تكذيبهم إياك، لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدين، وصواب من محجة الإسلام، حتى تكون كلمة جميعكم واحدة، وملتكم وملتهم واحدة، لجمعتهم على ذلك، ولم يكن بعيداً عليَّ، لأنّي القادر على ذلك بلطفي، ولكني لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي، ونافذ قضائي فيهم، من قبل أن أخلقهم وأصوِّر أجسامهم «فلا تكونن»، يا محمد «من الجاهلين»، على أثر الآية الكريمة أعلاه، وحيث إنها تتطرق إلى «سلماً إلى السماء» نجد أن الكلام من بعض المفسرين المعاصرين كثر عن وجود أبواب للسماء لا يمكن الصعود إلا من خلالها، وأن هذا هو سبب اختيار بعض الدول تحديداً لإقامة منصات إطلاق الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، مثل كازاخستان والأرجنتين وأمريكا، لكن من الدراسات الفلكية والجوية نجد عدم وجود أماكن خاصة في الغلاف الجوي الأرضي للصعود إلى السماء، أي عدم وجود سلالم أو أبواب في السماء للصعود من خلالها وأن مواقع منصات إطلاق الصواريخ الفضائية الموجودة لدى بعض الدول ليس لها أية علاقة بمثل هذه السلالم.

 

والمعروف أن الغلاف الجوي الأرضي يتكون من الهواء الذي يحتوي على غاز النيتروجين بنسبة 78.1%، وغاز الأوكسجين بنسبة 20.95%، أما ال 0.93% فهي آرغون و0.07% ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وبخار الماء، وهيدروجين، وهيليوم، ونيون، وزينون، التي تزود الكائن الحي بالدفء من خلال احتباسها للحرارة (يحمي الغلاف الجوي الأرض من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية ويعمل على اعتدال درجات الحرارة على سطح الكوكب).

 

يغطي الماء (71%) من سطح الأرض، ولا نجد الماء بشكله السائل الموجود على الأرض على سطح أي كوكب آخر، كما قال الله سبحانه في سورة المؤمنون الآيات 18 – 20، حيث نجد أن للأرض خصوصية عن بقية الكواكب من حيث مزاياها المسخرة للكائن الحي (بيئتها وموقعها وشكلها وغلافها الجوي وسطحها ومياهها ودفئها…الخ). والغلاف الجوي للكرة الأرضية ليس صلبا ولا يحتوي على أية ثقوب؛ بل هو مزيج من الغازات التي تقل كثافتها كلما ارتفعنا عن مستوى سطح البحر إلى أن تبدأ هذه الغازات بالتلاشي وعند هذه النقطة يبدأ الفضاء الخارجي، فلا يوجد سلم أو بوابة فوق القدس أو فوق أية نقطة أخرى على سطح الكرة الأرضية، وبالتالي، فإنه من الناحية النظرية من الممكن إرسال صاروخ إلى الفضاء من أية نقطة من على سطح الكرة الأرضية، فخارطة القواعد الفضائية الأساسية تؤكد أنها تتوزّع بشكل جيد في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، تبقى بعض الأماكن مناسبة أكثر من غيرها لتركيب قاعدة لهذا الإطلاق.

 

وبالتالي، فإن مواقع منصات إطلاق الصواريخ تعتمد على عدد من الخواص وهي: الطقس والمتغيرات الجوية في تلك المنطقة، والقرب من خط الاستواء: لأن السرعة الخطية لسطح الأرض أكبر عند خط الاستواء.

 

بُعد موقع الإطلاق عن المناطق السكنية ويفضل بالقرب من المحيطات أو الصحاري (ويفضل أن تكون المنطقة خالية من السكان): لأجل أن تطلق المركبات والصواريخ الفضائية من فوق المحيطات وليس من فوق المدن لكيلا يتعرض السكان للقتل أو للخطر عند سقوط أو انفجار الأشياء المتساقطة من المركبات أو الصواريخ الفضائية.

 

يفضل إطلاق الصواريخ بشكل مائل وباتجاه الشرق لاستغلال حركة دوران الأرض من حيث مبدأ التسارع، وبالتالي تقل الحاجة نسبياً إلى قوة هائلة للإطلاق.

 

هناك بعض المشاريع المقترحة لبناء سلالم أو مصاعد للصعود عليها إلى السماء أو إلى بعض الكواكب، لكنها كلها في حدود مدارات حول الأرض، أي لا يتجاوز ارتفاعها عن مستوى سطح البحر 500 كم، وحتى على هذه الأبعاد قد تكون صعبة بالتقنيات المتوفرة في يومنا هذا، لكن بناء سلالم أبعد من ذلك فهو مستحيل إلا بقدرة الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء.

 

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

آخر الأخبار