الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

AUASS

مستقر ومتاع

د. حميد مجول النعيمي *

كلنا يعلم أن الله، سبحانه وتعالى، خلق الأرض الأم للكائن الحي بما في ذلك الإنسان ليكون مخلصاً ووفياً ومهتماً بأمه الأرض من دون إفساد النعم والخيرات التي وفرها له الله سبحانه وتعالى. والله، عز وجل، جعل هذا الكوكب ليكون لنا قراراً وبنى في أعلاه ومن كل الجهات سماءً، وصورنا وأحسن صُورنا، ورزقنا من الطيبات لتكون الأرض لنا مستقراً ومتاعاً إلى حين. «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ»، البقرة 36، «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ»، إبراهيم 32، ولكن علمياً (جيولوجياً وفيزيائياً وكيميائياً وبيولوجياً… إلخ) يظل تكوين الأرض لغزاً غريباً ومعقداً بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه الإنسان.

 

منذ مليارات السنين، كانت الأرض، جنباً إلى جنب مع بقية نظامنا الشمسي، لا يمكن التعرف إليها تماماً، فقد كانت موجودة فقط كسحابة هائلة من الغبار والغاز. في النهاية، حدث غامض، لم يتمكن حتى العلماء الأوائل في العالم من تحديده، جعل اضطراباً في سحابة الغبار هذه، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث التي كان من شأنها أن تؤدي إلى تكوين الحياة كما نعرفها. إحدى الفرضيات الشائعة بين العلماء هي أن نجماً بعيداً قد انهار، مما تسبب في انفجار مستعر أعظم، أدى ذلك إلى تعطيل سحابة الغبار وتسبب في تماسكها معاً. شكل هذا قرصاً دواراً من الغاز والغبار، يُعرف باسم السديم الشمسي. كلما زادت سرعة دوران السحابة، زاد تركيز الغبار والغاز في المركز، مما زاد من سرعة السديم. بمرور الوقت، أصبحت الجاذبية في مركز السحابة شديدة لدرجة أن ذرات الهيدروجين بدأت في التحرك بعنف وبسرعة أكبر. وبدأت بروتونات الهيدروجين في الاندماج مكونة الهيليوم وإطلاق كميات هائلة من الطاقة. وأدى ذلك إلى تكوين النجم الذي يمثل النقطة المركزية لنظامنا الشمسي وهو الشمس منذ ما يقرب من 4.6 مليار سنة.

 

بدأ كوكبنا كجزء من سحابة من الغبار والغاز، وتطورت لتكون كوكبنا الأم، الذي يحتوي على وفرة من المواد الطبيعية الصخرية والمياه «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» والمحيطات المليئة بالأسرار، والغلاف الجوي الذي يدعم حياة مختلف الكائنات الحية. ويشير العلماء إلى أن للكويكبات دوراً مهماً في التكوين المبكر للأرض قبل نشوء غلافها الجوي، واستمرت في تشكيل كوكبنا.

 

نحن اليوم نعيش على سطح الأرض الصخري، ونتنفس الهواء المحيط بالكوكب، ونشرب الماء الذي يسقط من السماء، ونأكل الطعام الذي ينمو في التربة، ولكن عندما تكونت الأرض من السديم الشمسي في هذا الكون الواسع لم تكن ملاذاً مضيافاً للحياة في أول الأمر، ولكن بعد مدة طويلة جداً وبعد تكون الغلاف الجوي للأرض وتكون محيطها الحيوي أصبحت ملاذاً للبشرية كما أرادها الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً*وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً *وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً *وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً*وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً *وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً *وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً *وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً*لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً *وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً *إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً»، النبأ 6-17.

 

نحن نعيش على كوكبنا الجميل الصغير الذي خلقه الله تعالى بين مجموعة كواكب المجموعة الشمسية في مجرة درب التبانة (خلقه في منطقة ذهبية للكائنات الحية صالحة للحياة بين كواكب مفرطة في البرودة وكواكب مفرطة في الحرارة مع الكواكب الأخرى). ويؤلف كوكب الأرض مع عُطارد والزهرة والمريخ الكواكب الأربعة الداخلية الصخرية الصغيرة في مجموعتنا الشمسية، ويأتي بعد هذه الكواكب كلٌّ من المشتري وزحل وأورانوس ونبتون لتشكل الكواكب الغازية الأربعة العملاقة ومن ثم الكواكب القزمة (بلوتو وجماعته)، فضلاً عن الأجرام السماوية الصغيرة الأخرى الموزعة في المجموعة الشمسية التي لا تُعدّ ولا تُحصى، والتي قد يصل عددها إلى المليارات بما في ذلك الكويكبات الصغيرة التي يدور معظمها حول الشمس بين مداري المريخ والمشتري. كما تنتشر بين الأجرام السماوية أعلاه المواد الغبارية والغازية والدخانية.

 

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

آخر الأخبار