الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

AUASS

ايات للموقنين

لنبدأ بالآية الكريمة «وفي الأرض آيات للموقنين» (الذاريات 20)، ثم نبحث في الآيات الأخرى الخاصة بالأرض وما يبحث عن هذه الآيات إلا الموقنون الذين جمعوا العلم إلى التقى والخشوع بفضل من الله ورحمة.

أما الآيات فهي كثيرة، إذ إن عدد الآيات التي ذكرت الأرض فيها 461 آية، وإنه من المتعذر تماماً حصرها، أو إحصاؤها في وصف الأرض بالوطن، لأننا سنجاوز مفهوم الآية المعجزة الخارقة للقوانين السائدة، المعلومة أو المجهولة، إلى مبدأ بسيط في شكله وعظيم في صيرورته فمثلاً: (1): «صنع الله الذي أتقن كل شيء» النمل 88، ولا يستطيع الإنسان تحقيق مثله أو محاكاته، بل ربما أوتي القدرة على الكشف عنه ووصفه وتحليله. فقد تبوأ الإنسان أرض الله فصارت له مستقراً ومقراً. (2): «ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين» البقرة 36 و: (3): «الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء…» غافر 64 و: (4): «أمّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي». النمل 61.

القرار والاستقرار، توطين فنمو، وتطور وعلم ومعرفة وخشوع لله وعبادة وتفكر وتأمل وعمل ومجاهدة ورزق وارتزاق، وكل شيء أمر به الله تعالى، والذي أراد به هذا القرار والاستقرار، على المدلولات السابقة وغيرها غاية أكبر وأبعد في قوله تعالى: (5): «وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم» الأنعام 165، والعلماء ممن رفعهم الله تعالى بعلمهم، إن اقترن بالإيمان وإلا فهو استدراج، وإن ابتلاء أهل العلم فيما آتاهم مقصور على الكشف عن حقائق الآيات وتعظيمها توحيداً لله أولاً، وقبل كل شيء، وكلما قرأنا قول الله تعالى: (6): «أفلم يسيروا في الأرض فينظروا» في كثير من المواضع منها يوسف 109، وغافر 82، ومحمد 10، والروم 9، ومن دون أن نكمل نص الآية الكريمة تأخذنا حالة تفكّر ولحظة تأمل خاطفة ثم تمتد إلى دقائق وساعات لنجد مدلولاً يفي بسعة هذا الدال العظيم (الآية أعلاه)، لأن هذا المنطوق يبدأ من قوله تعالى (الذاريات 20) وينتهي إليه تماماً، وعلى محمل البحث الميداني والتقصّي الآياتي فإنه يبدأ من أبسط المتغيرات التضاريسية الأرضية، حتى ينتهي بأعقد الظواهر الفيزيائية الجيولوجية والبيولوجية والنفسية، وما بينهما جميع العلوم والمعارف التي استمدت فرعيتها وتخصصها من تنوع الآيات واختلافها حتى صارت الدراسة والبحث في مدلول قول الله تعالى: (7): «وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها» في النحل 18 جزءاً لا يمكن تقدير حجمه في (الذاريات 20) إذ ربما تطابق العدد بين النعم والآيات عند الله سبحانه وربما اختلف، فكل نعمة هي آية وإن لم تكن كل آية نعمة على سبيل الضرورة، أو الحتمية، وإن التمييز بينهما سهل في اللغة، صعب في المقارنة على نهج التمييز بين كينونة الإنسان وبنيته وتركيب الأرض ووجودها مثلاً.

وعلى الرغم من ذلك فثمة نقاط مشتركة تجمعهما، لنقرأ معاً قوله تعالى: (8): وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون، النحل 13، فهل ما خلق الله لنا في الأرض من النعم أم لا؟ إن النعمة هنا بمنزلة آية، والآية نعمة. وفي قوله تعالى: (9): «قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون» الملك 24: (10): «وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون»، المؤمنون 79، فهل ما ذرأ الله في الأرض أعلى منزلة من الإنسان؟ إن الله ذرأنا في الأرض وخلقنا لغاية أسمى في الواقع ما وجدت عليه المخلوقات الأدنى، ومن ذلك البحث في هذه الآيات والنعم وتحديد معالمها ورسم آثارها وأشكالها تعزيزاً للإيمان بعلم، والعلم بإيمان، وهذا هو أحد الجوانب الأخلاقية القيمية المهمة لوجود الإنسان على الأرض الوطن، مقراً له ومستقراً، مع اقترانها المثير بالكون ومحتواه.

ويبدو لنا أن تراصف الكلمات القرآنية لغاية أسلوبية مجردة فضلاً عن المعاني العميقة الدالة ليس سهل المنال من دون عنصرَي اللغة العربية الموثقة والتفسير المتوارث، ولكن من زاوية أخرى إدراك المعنى المقصود وشروطه. أي أن المعنى المستهدف المدلول في الكلمة القرآنية قد يقع تحت تأثير أسلوب عرضه، والعكس بالعكس، في إطار بلاغة الإعجاز، وإعجاز البلاغة في الكلمة القرآنية نفسها، أو في النص القرآني على نحو شامل. ربما بدت هذه البديهية ذائعة معروفة، إلا أن ترديدها بطرف اللسان ليس كمثل الوصول إليها بالمعاناة، كمن يقرن الثرى بالثريا ولا يدري ما هما. ولا يعلم في الوقت نفسه أصول صياغة هذا التعبير بين الكناية والاستعارة والتشبيه. إذ تحقق لنا ذلك مراراً من قبل، وتواجهنا كلمات المشرق، والمشرقين والمشارقن والمغرب والمغربين والمغارب، بهدف استخلاص مدلولاتها فارتقى المعيار الأول في الموضوع إذ هو المعيار الذي يقرب المعنى من العلوم الفيزيائية الفلكية على نحو موضوعي وسليم.

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

آخر الأخبار