الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

تلسكوب الفضاء ويب و العودة الى الماضي

تلسكوب الفضاء ويب و العودة الى الماضي

قوة التلسكوب الفضائي ويب

تلسكوب جيمس ويب الفضائي (ويب) هو تلسكوب شديد الحساسية  يملك قوة تفريق زاوي عالي الجودة  قادر على اكتشاف اشارات الضوء الضعيفة جدًا ، على الرغم من أن الكوازارات quasars – او ما يسمى “بالنجم الزائف”  – شديدة السطوع الا انها الأبعد في الكون لذا فأن الإشارات التي سيتلقاها ويب و القادمة منها ستكون  ضعيفة جدًا جدًا،  إن ويب  قادر على فصل ضوء الكوازار عن بقايا ضوء المجرة.

  تلسكوب ويب سيكون المرصد الأول لعلوم الفضاء في العالم عندما يتم إطلاقه هذا العام.         يأمل العلماء من  ويب مساعدتهم  في حل الكثير من ألغاز نظامنا الشمسي  و التي ما زالت غامضة الى حد ما، والتّطّلع إلى ما هو أبعد من ذلك من مجرات و أجرام أخرى بعيدة جدا قد لا نكون نعرفها من قبل!! ، و يأمل العلماء من ويب  أن يقدم لنا حلولاً للهياكل الغامضة وأصول الكون ومكاننا فيه.

  انه برنامج دولي تقوده وكالة ناسا مع شركائها: وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية.

الكوازارات لكشف أسرار الكون المبكر:

سوف يتمكن ويب من النظر إلى الماضي، ليرصد الكوازارات كما ظهرت منذ مليارات السنين!!

تتفوق الكوازارات في لمعانها على كل  نجوم المجرة مجتمعة، وهي من بين أكثر الأشياء سطوعًا في الكون، و هي عبارة عن ثقوب سوداء فائقة supermassive black holes نشطة فائقة السطوع، كتلتها تفوق ملايين إلى مليارات المرات كتلة الشمس. تقع عادة في مراكز المجرات ، وتتغذى على المادة المتساقطة و  يتدفق منها الإشعاع بصورة جميلة  رائعة. تستطيع هذه  الاجرام أن تعطي شكلا  للمجرات التي تتواجد فيها.

  سوف يستخدم العلماء تلسكوب ويب لدراسة ستة من الكوازارات الأكثر لمعانا وبُعدًا ، جنبًا إلى جنب مع  مجراتها المتواجدة فيها ، و معرفة كيفية   ترابطها  والدور الذي تلعبه الكوازارات في تطور المجرات  خلال المراحل الأولى من   الكون المبكر. و كذلك سيساعد ويب العلماء في دراسة الغاز المتواجد بين المجرات  خاصة خلال فترة إعادة التأين الكوني cosmic reionization. إنّ الحساسية الشديدة و قوة التحليل الزاوي angular resolution التي تمتلكها أجهزة  ويب سوف تمكّن  العلماء من القيام بهذه الدراسات.

  زيارة الكون الشاب

نظرًا لأن ويب يتطلع إلى أعماق الكون ، فإنه في الواقع سوف ينظر إلى الماضي في الوقت المناسب. بدأ الضوء المنطلق من هذه الكوازارات رحلته إلى ويب عندما كان الكون صغيرًا جدًا واستغرق وصوله مليارات السنين، و هذا يعطي  ويب فرصة أن يرى  مكونات الكون  كما كانت منذ زمن بعيد – في مراحل تكونها -.

أوضح   سانتياغو أريباس Santiago Arribas,، أستاذ  الفيزياء الفلكية بمركز علم الأحياء الفلكية في مدريد ، إسبانيا. و عضو في  (NIRSpec)   “كل هذه الكوازارات التي ندرسها كانت موجودة في وقت مبكر جدًا ، عندما كان عمر الكون أقل من مليون سنة، أي أقل من 6٪ من عمره الحالي . هذه المشاهدات و القياسات تمنحنا الفرصة لدراسة تطور المجرات وتكوّن الثقوب السوداء الفائقة في  تلك الأوقات.

 يعاني الضوء الصادر من هذه الأجسام البعيدة جدًا إنزياحا نحو الأحمر بسبب توسع الكون و هذا ما اشارت إليه النظرية النسبية العامة و  يُعرف  بالإنزياح الأحمر الكوني cosmological redshift ، كلما ابتعد مصدر الضوء (الكوازار) عن الراصد (ويب) ازداد انزياحه نحو الأحمر. في الواقع ، الضوء المرئي المنبعث من الكون المبكر ينزاح بشكل كبير لدرجة أنه يتحول – عند وصوله إلينا –  إلى طول موجي ضمن  الأشعة تحت الحمراء (IR) ، تم تزويد ويب  بمعدات ذات حساسية عالية  حتى يكون  مناسبًا و بشكل فريد لهذا الغرض.

دراسة الكوزارات  ومجراتها وبيئاتها المضيفة وتدفقاتها القوية

الكوازارات التي   تحت الدراسة  ليست فقط من بين الأبعد في الكون ، وانما أيضًا من بين الأكثر سطوعًا. عادةً ما تحتوي هذه الكوازارات على    ثقوب سوداء عالية الكتلة و معدلات التراكم accretion rates.  وهي المعدلات التي تسقط بها المواد في الثقوب السوداء     و هي الاجرام الاشد رعبا في الكون لما تمتاز به من قوة جاذبية شديدة. 

قال كريس  ويلوت Chris Willott, الباحث في مركز أبحاث الفلك والفيزياء الفلكية في هيرزبرج التابع لمجلس الأبحاث الوطني الكندي،  باحث في مشروع ويب التابع لوكالة الفضاء الكندية  : “نحن مهتمون بمراقبة أكثر الكوازارات لمعانًا لأن الطاقة   العالية  التي تولدها تكون  الأكثر تأثيرا على المجرة من خلال  عملية التدفق والتدفئة”. “نريد مراقبة هذه  الكوازارات في اللحظة التي  كان تأثيرها أكبر ما يمكن على المجرة المتواجدة فيها. “

يتم تحرير كمية هائلة من الطاقة عندما  تُسحق المادة بواسطة الثقب الأسود الهائل وتدفع الغاز المحيط إلى الخارج ، مما يؤدي إلى تدفقات قوية تنتشر بين النجوم مثل تسونامي ، وهذا يتسبب في خلق الفوضى في المجرة.

تلعب هذه التدفقات دورًا مهمًا في تطور المجرات، حيث  ينخفض معدل تكوّن النجوم عندما تطرد هذه الغازات، في بعض الحالات يتوقف تشكل النجوم تماما عندما  تطرد  كميات كبيرة من الغاز.

 يعتقد العلماء أن  هذه التدفقات  هي الآلية الرئيسية التي يتم من خلالها إعادة توزيع الغاز والغبار والعناصر على مسافات كبيرة داخل المجرة أو حتى يمكن طردها الى الفضاء ما بين المجرات – الوسط بين المجرات intergalactic medium  وهذا يساعد على احداث تغييرات أساسية في خصائص المجرة   والوسط المجري.

فحص خصائص الفضاء بين المجرات خلال عصر إعادة التأين

كان الكون  معتما (غير شفاف للضوء) منذ أكثر من 13 مليار سنة  لذلك فقد كان غامضا.  على مدى مئات الملايين من السنين ، أصبح الغاز بين المجرات مشحونًا أو متأينًا ، مما  جعله شفافًا للأشعة فوق البنفسجية (UV)، و اطلق على هذه الفترة  بفترة عصر إعادة التأين Era of Reionization  و هي  احد الحدود الرئيسية في دراسة الفيزياء الفلكية و التي يأمل العلماء بدراستها بصورة تفصيلية  بمساعدة  البيانات و المشاهدات  التي سوف يقوم بها ويب حول هذا التحول.

 يلزمنا عند  دراسة الكون، مصادر ضوء لامعة جدًا، الكوازار هو المصدر المثالي في الكون البعيد ، حيث يمكننا رؤيته جيدًا. يعمل  الغاز على  امتصاص أطوال موجية محددة  الصادرة عن الكوازار، تستخدام تقنية  تحليل الرصد الطيفي imaging spectroscopy،  لدراسة و  تحليل خطوط الامتصاص في الغاز. وكلما كان الكوازار لامعا، كانت سمات خطوط الامتصاص في الطيف أقوى. من خلال تحديد ما إذا كان الغاز متعادلا  neutral أو مؤينًا ionized ، سيتعرف العلماء على مدى حيادية الكون ومدى حدوث عملية إعادة التأين هذه في تلك  الحقبة الزمنية تحديدا.

 قال عضو الفريق كاميلا باسيفيكي Camilla Pacifici ،   معهد علوم تلسكوب الفضاء Space Telescope Science Institute. “نريد دراسة الكون المبكر لأنه يتطور ، ونريد أن نعرف كيف بدأ.”

 يتم تحليل الضوء القادم من الكوازارات باستخدام تقنية NIRSpec للبحث عن “المعادنmetals ” الأثقل من الهيدروجين والهيليوم. تشكلت هذه العناصر في النجوم والمجرات الأولى وطردتها التدفقات outflows. ينتقل الغاز من المجرات التي كان موجودًا فيها في الأصل وإلى الوسط بين المجرات. يخطط الفريق لقياس توليد هذه “المعادن” الأولى ، بالإضافة إلى الطريقة التي يتم   دفعها إلى الوسط بين المجرات من خلال هذه التدفقات المبكرة.

المصدر : ناسا

د. قيس العمري

آخر الأخبار