تلسكوب EHT يرصد قلب أقرب مجرة راديوية:
قام فريق من تحالف Event Horizon Telescope (EHT) متمرّس بتصوير قلب المجرة الراديوية الأقرب إلينا Centaurus A بتفاصيل لم يسبق لها مثيل، حيث استطاع علماء الفلك من تحديد موقع الثقب الأسود الهائل المتركز في المجرة محاولين اكتشاف كيف تتولد تدفقات ذات طاقة عالية من الثقب الاسود. و الجدير بالذكر ان التلسكوب EHT اشتهر بالتقاط اول صورة لثقب أسود في مجرة Messier 87 قبل عامين تقريبا.
استطاع علماء الفلك من تحديد موقع الثقب الأسود المركزي الفائق واكتشفوا كيف تتولد التدفقات عالية الطاقة gigantic jet . الأكثر غرابة في هذا الاكتشاف هو ان الحواف الخارجية لهذه التدفقات هي التي تصدر اشعاعات و هذا يخالف النماذج الرياضية التي وضعها العلماء . وقد قام فريق برئاسة مايكل يانسن Michael Janssen ، من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي في بون Max Planck Institute for Radio Astronomy in Bonn وجامعة رادبود نيميغن Radboud University Nijmegen ، بنشر هذه النتائج في مجلة Nature Astronomy في 19 يوليو.
يعتبر قنطورس أ “ Centaurus A” من اول مصادر الاشعة الراديوية المعروفة خارج مجرتنا التي تم اكتشافها عام 1949 و يعد كذلك من أكبر الأجرام السماوية وأكثرها سطوعًا في سماء الليل.
تمت دراسة Centaurus A على نطاق واسع بواسطة مجموعة من مراصد تعمل عبر الطيف الكهرومغناطيسي بأكمله؛ تمتد من الراديو Radio والأشعة تحت الحمراء IR والأشعة السينية X- Ray والأشعة غاما γ- Ray حيث تبين وجود ثقب أسود في مركزCentaurus A كتلته تعادل 55 مليون كتل شمسية ، و يقع مباشرة بين مقاييس ميسييه 87 – كتلة الثقب الأسود (ستة ونصف مليار شمس) والثقب الموجود في مركز مجرتنا ( حوالي أربعة ملايين شمس).
قام فريق من العلماء بتحليل البيانات التي سجلها تلسكوب EHT عام 2017 و تقديم تفاصيل غير مسبوقة عن Centaurus A و بحسب ورقة بحثية نشرها مايكل يانسن في مجلة Nature Astronomy ” هذا يسمح لنا لأول مرة رؤية ودراسة تدفقات راديوية خارج المجرة في مقاييس أصغر من المسافة التي يقطعها الضوء في يوم واحد و نرى عن قرب وبشكل دقيق كيف يطلق ثقب أسود فائق تدفقات عالية الطاقة gigantic jet ” بشكل مرعب .
تتغذى الثقوب السوداء الفائقة الموجودة في مركز المجرات مثل Centaurus A من الغاز والغبار الذي ينجذب إليها بسبب جاذبيتها الساحقة و جراء هذه العملية تنطلق كمية هائلة من الطاقة عندها تصبح المجرة نشطة ‘active ، و هذا يحدث لمعظم المواد الموجودة بالقرب من حافة الثقب الأسود ، بينما هناك بعض الجسيمات تستطيع الهروب بلحظات قليلة قبل سقوطها في الداخل و لكنها تنفجر بعيدا مولدة تدفقات هائلة، و تعد هذه التدفقات من العمليات الاكثر طاقة و غموضا للمجرات.
لفهم هذه العملية بشكل أفضل وضع علماء الفلك العديد من النماذج المختلفة لتفسير كيفية تصرف المادة عند اقترابها من الثقب الأسود، و مع كل هذه النماذج ، لم يتوصل العلماء الى تفسير عن كيفية توليد هذه التدفقات من منطقتها المركزية وكيف يمكن أن تمتد على مقاييس أكبر من المجرات التي تحتويها دون أن تتشتت. يُعد تفسير لغز هذه الظاهرة من الاهداف الرئيسية التي يسعى تلسكوب EHT إلى حلها.
تُظهر الصورة الجديدة أن التدفقات التي أطلقها Centaurus A أكثر إشراقًا عند الحواف مقارنة بالمركز، هذه الظاهرة معروفة من التدفقات الأخرى ، ولكن لم يتم رؤيتها بوضوح من قبل. يقول أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة فورتسبورغ في ألمانيا ماتياس كادلر Matthias Kadler “نحن الآن قادرون على استبعاد نماذج التدفقات النظرية theoretical jet models غير القادرة على إعادة إنتاج سطوع هذه التدفقات عند الحواف، و هذه من الميزات المهمة و المذهلة التي ستساعدنا على فهم أفضل لتدفقات الثقوب السوداء.
تم تحديد الموقع المحتمل للثقب الأسود من خلال البيانات الجديدة التي سجلها EHT لمركز التدفقات من Centaurus A لذا يتوقع الباحثون أن الارصاد المستقبلية بواسطة المراصد الفضائية – بطول موجي 1.3 ملم – الموجهة الى هذا الموقع قادرة على تصوير الثقب الأسود المركزي لـ Centaurus A . و بحسب استاذ الفيزياء الفلكية و عضو مجلس ادارة EHT هاينو فالك Heino Falcke, أنّ هذه البيانات (نفس البيانات التي من خلالها تم تصوير الثقب الاسود في مجرة M87 الشهير) توفر معلومات غنية عن التنوع في الثقوب السوداء.
يتكون تحالف EHT من 13 معهدًا و جامعة منها جامعة أريزونا ، وجامعة شيكاغو ، ومرصد شرق آسيا ، معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي ، المرصد الفلكي الوطني الياباني ، معهد المحيط للفيزياء النظرية.
د. قيس العمري
المصدر: موقع EHT