الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

AUASS

حاضنة الحياة

د. حميد مجول النعيمي *

من تراكم نتائج الدراسات والأرصاد الفلكية والفضائية وتحليلها لجميع الأجرام السماوية داخل المنظومة الشمسية مقارنة بكوكب الأرض الأم، تمكنا من استخلاص حقائق مهمة. وجدنا أن الأرض في الوقت الحاضر هي الكوكب الوحيد في المنظومة الشمسية الذي توجد فيه الحياة، لتوافر الظروف البيئية المناسبة للإنسان والحيوان والنبات وظروف الحرارة والجاذبية والتركيب الغازي، والماء الذي يعدّ أساساً لوجود الحياة نفسها، سواء أكانت عاقلة أم حيوانية أو نباتية «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ»، ولأنه، فضلاً عن ذلك، يمثل الوسط الذي نشأت وترعرعت فيه الخلية الأولى؛ لأن ذلك الوسط متاح في الأرض في ظروف مختلفة من العمق والبرودة والإضاءة والملوحة، فهو المختبر الذي نشأت وتطورت فيه مختلف أصناف الكائنات الحية قبل أن تتمكن من الخروج إلى اليابسة؛ لأنه يقيها من الحرارة والإشعاعات الكونية الخطرة قبل نشوء الجو الغازي الواقي الحالي.

 

أما بقية الكواكب السيارة في المجموعة الشمسية، فهي إما مفرطة في الحرارة مثل عُطارد والزهرة، أو مفرطة في البرودة أو الجاذبية، فمثلاً معدل درجة حرارة المشتري يقرب من (-140 درجة مئوية)، وزحل (-185 درجة مئوية)، وأورانوس (-224 درجة مئوية)، ونبتون (-220 درجة مئوية)، وبلوتو (-230 درجة مئوية)، بل حتى المريخ الذي ظل مرشحاً للحياة ردحاً من الزمن وما زال تبلغ درجة حرارته (-70 درجة مئوية)، بالإضافة إلى نتائج عدد من المركبات الفضائية التي دحرت فكرة الحياة على سطحه.

 

وتحتبس الكواكب الثقيلة مثل المشتري وزحل نسبة عالية من الغازات الخفيفة مثل الهيدروجين، وقليلاً من الأمونيا والميثان. أما الكواكب الخفيفة مثل عطارد وبلوتو فإنها عديمة الجو الغازي، وتكون معرضة إلى أعداد هائلة من ضربات النيازك والإشعاعات المميتة مثل الأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية، وكذلك الزهرة والمريخ اللذان يحتويان على نسبة عالية من الغازات الثقيلة، وذلك بسبب انعدام الماء. وما بعد نبتون وبلوتو من الأجرام السماوية المختلفة فهي أبرد بكثير من درجة حرارة حتى بلوتو وأغلبها جليدية، فلا يمكن للحياة أن تنمو وتترعرع فيها.

 

لكل هذه الاعتبارات أصبحت الحياة نادرة جداً على كواكب وأجرام المنظومة الشمسية، وربما فرص وجودها في أجرام أخرى تؤلف نسبة ضئيلة ربما أقل من (1%) بالنسبة لأعداد النجوم الهائلة، بل حتى لو وجدت على كوكب فإنه من الصعوبة الاتصال بها بسبب بعدها السحيق وعدم القدرة التكنولوجية على الاتصال في الوقت الحاضر.

 

بهذا التصور نستطيع القول: إن الأمل ضعيف في اكتشاف الحياة على الكواكب الأخرى وفي نظامنا الشمسي (في الوقت الحاضر)، ومع ذلك فإنه من الخطأ أن نقيد أنفسنا بالبحث عن الحياة على كواكب المنظومة الشمسية وحدها؛ لأنها أجسام باردة في الكون الذي نعيش فيه والذي تعداد نجومه (شموسه) يتجاوز 1000 تريليون نجم ما عدا الكواكب التي تدور حول بعضها، بالإضافة إلى وجود نجوم المراحل النهائية في التطور أمثال نجوم الأقزام والنيوترونية والثقوب السوداء.

 

ووجدنا أن المنظومة الشمسية تقع في مجرة درب التبانة التي يبلغ قطرها حوالي 100000 سنة ضوئية محتوية على حوالي 150 مليار نجم. تبعد الشمس بحدود 30000 سنة ضوئية عن مركز المجرة، وتصل سرعتها ضمن المجرة إلى 250 كم/ثانية، وبذلك تكمل دورة واحدة في 250 مليون سنة تقريباً. تعرف هذه الدورة بالسنة المجرّية.

 

موقع المنظومة الشمسية في المجرة يُسهم في توازن الكواكب، ومن ضمنها الأرض والمحافظة على الحياة في كوكبنا، «والسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ»، الرحمن 7، فمدار المجموعة الشمسية ككل حول مركز المجرة دائري تقريباً، ويدور تقريباً بنفس سرعة دوران ذراع الجبار الحلزوني، مما يعني أنها من النادر أن تمر خلاله.

 

وبما أن الذراع لا تحتوي على أخطار كبيرة مثل نجوم المستعرات العظمى، فهذا يعطي للأرض فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة واستقرارها لمدة طويلة بين النجوم، بالإضافة إلى أن الشمس بعيدة جداً عن المنطقة المزدحمة بالنجوم في مركز المجرة. ولو كانت الشمس متموضعة قرب تلك المنطقة لأثرت جاذبية النجوم على أجرام سحابة أورت والتي سترسل العديد من النيازك إلى المنطقة الداخلية للنظام الشمسي، مسببة اصطدامات نيزكية مع كوكب الأرض ذات نتائج كارثية. كما يمكن للأشعة الكونية الصادرة من مركز المجرة أن تؤثر في الحياة على الأرض. حتى في موقع الشمس الحالي فقد افترض العلماء أن انفجار مستعر أعظم قد أثر في الحياة في كوكب الأرض قبل 35000 سنة من خلال قذف النواة النجمية باتجاه الشمس على شكل حبيبات غبارية مشعة ونيازك كبيرة (والله تعالى أعلم).

 

«فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، يس 83 وَ«إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»، النحل 18.

 

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

آخر الأخبار