بالنظر الى القمر بالعين المجردة نرى جسماً فضياً لامعاً في السماء وحسب، ولنتبين أية معالم على سطحه يجب علينا تكرار ما فعله جاليليو قبل اكثر من ثلاثمئة عام، ونوجه مقراباً الى القمر مباشرة لنجد عالما كاملا من التضاريس القمرية المماثلة لتضاريس الأرض من جبال وأودية وسهول، ولكن الاكثر شيوعا هي تلك التضاريس دائرية الشكل التي قلما نجد منها على سطح كوكبنا ، انها الفوهات القمرية، والتي ظنها العلماء في بادئ الأمرشواهد على انشطة بركانية قديمة، ملأت سطح تابعنا الصغير، الى ان بيّنت المعطيات الحديثة ان القمر لا يحتضن جوفاً منصهراً بل هو جرمٌ ميّت جيولوجيا، وأن جُلّ تلك الفوهات عبارة عن آثار ارتطامات النيازك من مختلف الاحجام على سطحه خلال العصور الغابرة.
ان دراسة طبوغرافية سطح الأرض تلقي الضوء على عدد محدود جداً من التراكيب التي تشبه الفوهات النيزكية تلك، إلّا أن أحد هذه التراكيب لا يدع لنا مجالاً لشك بأنه آثار ارتطام نيزك بسطح الأرض، ونعني بها تلك الحفرة النيزكية الشهيرة في صحراء اريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من العثور على العديد من بقايا الحجارة النيزكية هنا وهناك، الّا ان عدم انتشار الفوهات يضعنا امام علامة استفهام حول تاريخ الأرض النيزكي إن جاز التعبير. فالفوهات النيزكية يجب ان تملأ سطح الأرض اكثر بكثير من القمر لعدد من العوامل منها:
-
جاذبية الأرض اكبر من جاذبية القمر بستة أضعاف وبالتالي فإن قدرتها على جذب الحطام الكوني تكون اكبر بالنسبة ذاتها.
-
مساحة سطح الأرض اكبر ب35 مرّة من مساحة سطح القمر، وبالتالي فهي تشكل هدفاً سهلاً لتلك الاجرام المتجولة في الفضاء.
-
يقابل القمر الأرض بوجه واحد على الدوام، مما جعل من الأرض درعاً واقيا له من الارتطامات المباشرة بوجهه القريب، وأكبر شاهد على ذلك هو وجود عدد كبير جداً من الفوهات على وجه القمر البعيد عن الأرض مقارنة بالوجه المقابل لنا. أما الأرض التي تدور حول محورها كل يوم فإن وجهها المقابل للقمر يتغيّر يومياً ولا تكفي جاذبية القمر ولا حجمه الصغير لوقايتها من أي هجوم نيزكي.
إن ذلك حقا مدهش ويناقض حقيقة خلو الأرض تقريبا من الفوهات التي خلفتها النيازك والتي ولا شك انها انهالت عليها بشكل اكثر غزارة من جارها، فليست أعداد الحجارة الكونية التي تسقط هي فقط ما يحدد عدد وانتشار الفوهات على الأرض، بل هناك قوى خفية من شأنها التغلب على العوامل آنفة الذكر وجعل الأرض كوكباً فقيراً بالفوهات النيزكية، ومنشأ هذه القوى هو كوكب الأرض بالذات، الذي نجح فعلا في طمس أحداث تاريخه النيزكي وذلك بالطرق التالية :
-
تملك الأرض غلافاً جويّا يمتد لعشرات الأميال في الفضاء، مما يحول دون وصول الصخور النيزكية الى سطحها، ما عدا الكبير منها، أما القطع الصغيرة فمصيرها الاحتراق في أعالي الجو.
-
تشكل المسطحات المائية ما يقارب 70% من مساحة سطح الأرض، ويعتقد انها كانت تشكّل ما يزيد عن ذلك قبل انقسام القارّات في الحقبة التي كانت النيازك تنهمر بمعدلات أكبر من الآن، ومن المنطقي ان نيزكاً يسقط في المحيط لن يترك أثراً يُرى.
Because of find out my web-site buy viagra the convenience and the choice of the TV.
-
باطن الأرض نشط جيولوجياً، بمعنى ان هناك عددا لا يحصى من الفوهات النيزكية لم تنجو من التدمير الكليّ بفعل الزلازل والبراكين والحركات التكتونية الاخرى.
-
نتيجة لوجود غلاف جوي للأرض وبالتالي وجود مناخ، فلا شك ان آثار تلك الفوهات ستمحى مع مرور الزمن بسبب عوامل التعرية من رياح وأمطار وغيرها، ناهيك عن النيازك التي سقطت على القشرة الجليدية للأرض إبان العصور الجليدية، والتي محيت آثارها بذوبان ذلك الجليد الى الأبد.
-
إن وجود حياة على سطح الأرض خصوصاً النباتات من شأنه طمس آثار الفوهات النيزكية والتسبب في تآكلها على مرّ العصور.
هذا في الواقع ما حدث لسجل الأرض النيزكيّ الحافل بالأحداث الجسام، فهل يعني كل ما سبق ان أرضنا العزيزة كانت ولا زالت في مأمن من ذلك الخطر القادم من الفضاء؟
إن الأجابة على هذا السؤال هي بكل بساطة النفي، فواقع ان الأرض قد اعتادت على أن تمحو سجلها الكوارثي شيء وحقيقة أنها معرضة لقصف النيازك باستمرار شيء آخر، خصوصاً النيازك ذات العيار الثقيل، ويوجد في السجل الصخري للأرض في مختلف القارات والعصور أدلة مباشرة على حدوث كوارث عالمية سببتها ارتطامات النيازك الكبيرة بسطح الأرض والتي رُبطت إحداها بإنقراض اجناس حية بكاملها كالداينصورات بسبب كارثة نيزكية ضربت الأرض نهاية العصر الكريتاسي.
واذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن كل مكان نعرفه على سطح هذا الكوكب، كل مكان زرناه أو احببناه، مؤهل بأنه كان موقع هبوط لنيزك ما في الماضي أو ربما في المستقبل، ولكن يبقى السؤال عن موعد وموقع الضربة القادمة بلا إجابة، فالفوهات في كل مكان وأن كنا لا نراها الآن.