الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

AUASS

البر والبحر

لله، سبحانه وتعالى، على كوكب صغير أزرق (كما نشاهده من الفضاء)، وأمرنا من خلال المئات من الآيات المباركات في القرآن الكريم بالتمعن في هذا الكوكب الجميل وغلافه الجوي وسطحه ومحيطه الحيوي ويابسته وبحاره ومياهه وباطنه واختلافه عن الكواكب الأخرى وموقعه في المجموعة الشمسية وفي مجرة درب التبانة، وكيف جعله جنةً في الدنيا (جنة الإيمان) أو وطناً وموطناً وفراشاً قائماً بحد ذاته، «ولَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» الأعراف 24، ليستدل عبدة الإنسان بهذه الظواهر السماوية على دقة صانعها وعظمة وإبداع خالقها جل جلاله. «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ» آل عمران 190.

 

لذلك ذكرت الأرض بصفاتها وخيراتها التي منحها لنا الله تعالى في القرآن الكريم، كتابه ذي المعجزات المتجددة في كل زمان ومكان، ولكل جيل من الأجيال من خلال مئات الآيات الكريمات (ذكرت كلمة الأرض مفردة ومجتمعة مع مشتقاتها في القرآن الكريم 461 مرة، وجاءت الكلمة للدلالة على الأرض جميعها في بعض المواضع وللدلالة على جزء منها في مواضع أخرى).

 

إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الأرض قبل 4540 مليون سنة (بمساحة سطحية كلية 510 ملايين كم مربع تقريباً)، كوّنها من قارات (البر) ومحيطات (البحر)، فلو حسبنا مساحات القارات (التي تمثل الجزء الخارجي من القشرة الأرضية) من حيث اليابسة على سطحها لوجدناها تمثل 29% من الكرة الأرضية تقريباً، أي بمساحة 149 مليون كم مربع تقريباً، ولو حسبنا مساحات المحيطات، أو لنقل المسطحات المائية عليها، لوجدناها 71% من سطح الأرض، أي بمساحة 361 مليون كم مربع تقريباً، فالله، سبحانه وتعالى، وزع خيراته ونعمه والمزايا المفيدة للكائنات الحية وفي جميع ما قد خلق جل جلاله على سطح الأرض وفي كل مكان.

 

وفي كتاب الله، جل جلاله، ذكرت كلمة البر 13 مرة، بنسبة 29%، وذكرت كلمة البحر 32 مرة، بنسبة 71% مرة (سبحان الله على هذا التناغم الرقمي بين الحقيقة على سطح الأرض وما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز لكلمتي البر والبحر). وللعلم أن نسبتي البر والبحر على كوكبنا تتعرضان للتغيير على امتداد الأزمنة والعصور، قبل ظهور الحياة وبعدها وقبل ظهور الإنسان وبعده.

 

لنقرأ بعض الآيات الكريمات عن البر والبحر:

 

«وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا»، الأنعام 59. «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»، يونس 22، فضلاً عن آيات كريمات أخرى (الإسراء 70، الأنعام 97 و63…إلخ)

 

سبحان الله على قدرته في خلق كوكب الأرض للبشرية في هذا الكون الواسع، إذ صدق الله تعالى عندما قال: «الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»، هود 1، وكذلك قوله تعالى:

 

«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»، فصلت 53.

 

بالإضافة إلى ما جاء في أعلاه، فإن الله، سبحانه وتعالى، خلق لنا كل أنواع الخيرات والنعم على سطح الأرض وجعلها سكناً ومستقراً والوحيدة لغاية يومنا هذا الحاوية للحياة، ورزقنا من الطيبات لتكون الأرض لنا مستقراً ومتاعاً إلى حين وجعلها من الأماكن الغنية بالموارد المائية، إذ تشكل المياه 71% من سطح الكوكب «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ»، الأنبياء 30، وتضم المحيطات ما نسبته 96.5% من مجموع مياه الأرض، وتتوزع النسبة الباقية على الأنهار والبحيرات إضافة إلى الغطاء الجليدي والأنهار الجليدية والمياه الجوفية وبخار الماء في الغلاف الجوي ورطوبة التربة، بالإضافة إلى ما تحتويها أجسام الكائنات الحية من المياه (طبعاً تتوزع المياه على سطح الأرض بكل تأكيد على شكل مياه مالحة ومياه عذبة).

 

وللعلم، فإن أدنى تغير في نسبة مساحة سطح اليابسة إلى مساحة البحار والمحيطات، والعائد إلى التغير الدوري في مستوى سطح البحر، يؤثر بشكل كبير في المناخ. ومن المحتمل جداً أن يحصل هذا التأثير على مستوى كوكب الأرض كله.

 

ومهما تطورت العلوم والتكنولوجيا، ومهما تجددت الاكتشافات والابتكارات، سيبقى القرآن الكريم مواكباً لهذه التطورات والمستجدات، حتى لو بعد عشرات أو مئات أو الآلاف من الأجيال المتواردة والسنين المتتالية.

 

وكوكبنا الأرض هو الأم، وهو الوطن، هو جنة الدنيا وهبة من هبات الله العلي العظيم الثمينة للبشرية. وسبحانه وتعالى على نعمه التي لا تُعَد ولا تُحصى في الأرض الوطن، وسبحانه على خلقه لأجرام أخرى مثل الشمس والقمر والمنظومة الشمسية وجعلها جميعاً لفائدة الأرض والبشرية على سطحها وجعلها في اتزان وميزان في حركاتها جميعاً حول الشمس في المنظومة الشمسية ومجرة درب التبانة والكون إلى ما يشاء الله سبحانه وتعالى. «وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ»، الرحمن 7.

 

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

آخر الأخبار