د. حميد مجول النعيمي *
سنركز في مقالاتنا خلال رمضان المبارك على الأرض، كوطن (كأم)، تجسيداً لكونها أجمل ما قد خلق الله، جلَّ جلاله، للبشرية وللكائنات الحية من خلال استعراض خواص وظواهر الكرة الأرضية، ومحيطها وعلاقتها بالظواهر السماوية، وبآيات القرآن الكريم الدالة على خلق الله، سبحانه وتعالى، وعظمته الفائقة، لا سيما ما يتعلق بها وبمكوناتها الجيولوجية والفيزيائية وبحارها وغلافها الجوي، وموقعها في الكون وملائمتها لتعيش الكائنات الحية على سطحها، واختلافها الفريد من نوعه عن كواكب مجموعتنا الشمسية، ومليارات أو تريليونات الكواكب الأخرى في الكون، وكيف أن سطحها وغلافها الجوي وطبقاته ومجالها المغناطيسي، خُلق ليكون حامياً وملاذاً لعيش الكائنات الحية، وواقياً (سربيلاً) من الأضرار والأشعة الكونية، بما فيها الأشعة الكهرومغناطيسية، والرياح الشمسية، وحامياً من ضربات أشلاء المذنبات والكويكبات والشهب والنيازك والأجسام الطبيعية والصناعية الأخرى التي تدخل الغلاف الجوي، وكيف أن الله، سبحانه وتعالى، خلق في هذا الغلاف أنواعاً مختلفة من الظلال، لتقينا من حرارة الشمس ورياحها، وأضرار أغلب أنواع الأشعة الكهرومغناطيسية؛ كأشعة «جاما» والأشعة السينية (ذوات الطاقة العالية) والأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء والإلكترونات والشحنات الشمسية الحارقة.
عند تصوير الأرض بكاميرات المركبات الفضائية من على بعد عدة ملايين من الكيلومترات عن الأرض، فإنها تظهر لرواد الفضاء كنقطة زرقاء صغيرة جداً، تسبح في الفضاء، بالكاد تبدو واضحة في خلفية النجوم. ومن خلال مختلف الدراسات العلمية والتكنولوجية والشرعية الإسلامية والاجتماعية ولغاية يومنا هذا وبالتكنولوجيا المتوفرة حالياً، وجد أن كوكب الأرض هو الوحيد الذي نعرفه اليوم من بين المليارات أو التريليونات من الكواكب الأخرى في الكون المرئي الذي يحتوي على المليارات من الكائنات الحية، بمن فيها البشر بمختلف أجناسهم.
هذا الكوكب هو الأم وهو الوطن وهو المهد، الذي خلقه الله، سبحانه وتعالى، ووضعه للأنام، وجعله ذُلولاً لنمشي في مناكبه بحريّة، ولنأكل من رزقه، هو الذي جعله كُفاتاً، وجعله فراشاً ومهداً، وسلك لنا فيه سُبلاً، وأنزَل لنا عليه من السماء ماءً، وأخرج لنا به أزواجاً من نباتٍ شتى.
«أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»، المرسلات 25 – 28. جعل الله، عز وجل، هذا الكوكب ليكون لنا قراراً، وبنى حوله سماءً، وصورنا وأحسن صُورنا، ورزقنا من الطيبات، لتكون الأرض لنا مستقراً ومتاعاً إلى حين، وجعل لنا مما خلق ظلالاً، ومن الجبال أكناناً، وكذلك جَعل لنا سرابيل تقينا الحر، وسرابيل تقينا بأسنا، ليُتم نعمته علينا لنَسْلَم ونعيش على سطح الأرض بهناء وسلام.
الله، تعالى، خلق لنا هذا الكوكب ليكون مِهاداً، والجبال على سطحه أوتاداً، وخَلَقَنَا أزواجاً، وجعل نومَنا سُباتاً، ومن خلال حركته المحورية حول نفسه، والدورانية حول الشمس خلق الليل والنهار، ليكون الليل لباساً، والنهار معاشاً، وجعل الشمس لنا سراجاً وهاجاً، وأنزل لنا من المُعْصِراتِ ماءً ثجاجاً، ليخرج به حباً ونباتاً وجناتٍ ألفافاً، وخلق في الأرض قطعاً متجاورات وجناتٍ من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يُسقى بماءٍ واحدٍ. كلها نِعَمٌ لا تُعد ولا تحُصى.
وخلق لنا، جل جلاله، على سطح هذه الأرض من نَحبُ ومن نَعرف، وجعلنا نفرح ونحزن، ونعيش مع ألوف الأديان والنظريات ومذاهب الحياة، وجعلنا بين طفل وشاب وكهل، وأم وأب، وأخ وأخت، وطفل ذي مستقبل، ومكتشف مبتكر، وغبي مخرب، وقادة عظماء وآخرين َضعفاء، أبطال وجبناء، محب وغير محب، مسالم ومدمر، مخلص وخائن….. إلخ.
هذا الكوكب هو الوحيد الذي عرفناه، لأننا نعيش على سطحه، ومن خلاله تعرفنا إلى الكون المرئي ومحتواه من كواكب ونجوم ومجرات وسدم، فضلاً عن الكثير من المكونات الأخرى التي تتعلق بحياة الكائن الحي ابتداءً من أصغر الجسيمات (يعتقد اليوم أن مركز الثقوب السوداء تمتاز بهذا الصغر المتفرد عند مركز الثقوب السوداء ) وصعوداً إلى أكبر المجرات.
وأمكن رصد أكبر المجرات على بعد نحو 13.5 مليار سنة ضوئية تقع في الكوكبة النجمية الوشق Lynx وهي مجرة راديوية عملاقة (السيَنوس Alcyoneus) اكتشفت عام 2022 وطولها 16.3 مليون سنة ضوئية، مما يجعلها أكبر مجرة معروفة على الإطلاق (154 مرة تقريباً أطول من مجرتنا، وتحوي على ما قد يصل عدده إلى 400 مليار نجم، وكتلتها تقارب ال 2400 مليار الكتل الشمسية).
اكتشفت هذه المجرة في يوليو/ تموز 2022 من خلال تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي الذي رصد أقدم مجرة على الإطلاق، ولأول مرة في تاريخ البشرية يرصد جرم سماوي على هذا البعد.
* مدير جامعة الشارقة ـ رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك